الأحد، 27 يناير 2013

الحلقة الأولى :خروج الفرنسيين من مصر حتي ما قبل حكم محمد علي باشا






- يبدأ القرن التاسع بخروج الفرنسيين من مصر في سبتمبر عام 1801 بقيادة الجنرال جاك مينو الذي خلف الجنرال كليبر الذي قتل على يد سليمان الحلبي، بعد. وقد تم ذلك الخروج بعد توقيع الجنرال مينو على اتفاق الاستسلام مع الانجليز والعثمانيين بعد حصاره في الاسكندرية من الانجليز وزحف الجيش العثماني على القاهرة، وبموجبه خرج الفرنسيين بكامل معداتهم وعدتهم على متن السفن الانجليزية التي حملتهم الى بلادهم.
- دخل الجيشين العثماني والانجليزي القاهرة ومعهما أمراء المماليك إبراهيم بك ومحمد بك الألفي وعثمان بك البرديسي، وسيطروا عليها وعين السلطان العثماني محمد خسرو باشا واليا على مصر عام 1801. وبذلك أصبح بمصر ثلاث قوى تحاول السيطرة عليها وهي العثمانيين والمماليك وحلفائهم الانجليز.
- خطط العثمانيين للقضاء على المماليك حتى ينفردوا بحكم مصر، وكان من ضمن الخطة ان يقوموا بالوقيعة بينهم، وتنفيذا لذلك قرر خسرو باشا تعيين أقوى أمراء المماليك وهو محمد بك الألفي واليا على الصعيد حتى ينقلب عليه باقي الأمراء وبالفعل فور تولى الألفي مسئولية الصعيد بدأت المناوشات بينه وبين باقي أمراء المماليك الطامعين في منصبه، وحدثت اضطرابات في الصعيد. واستكمالا لخطة الخلاص من المماليك تمكن خسرو باشا من قتل عدد من زعماء وامراء المماليك في القاهرة والاسكندرية، ولكن اثارت هذه الاغتيالات غضبة الانجليز وتصدوا لخسرو ووقفوا مع حلفائهم المماليك وقرروا تأجيل رحيلهم عن مصر واتفقوا مع المماليك على محاربة العثمانيين، وبدأ المماليك يتجمعون في الصعيد استعدادا لذلك، ولكن حدث تغير في الأحداث الدولية بتصالح السلطان العثماني مع الفرنسيين فخشيت إنجلترا ان يؤدي تحالفها مع المماليك لتوتر علاقتها مع السلطان وان يقف بجانب فرنسا ونابليون في حروبهم باوروبا فقررت سحب قواتها من مصر في 1803، وتركت المماليك ليواجهوا العثمانيين وحدهم، وخرج محمد بك الألفي مع الأنجليز إلى لندن بهدف إقناع الحكومة البريطانية بإرسال حملة لدعم المماليك في حكم مصر، ونجح المماليك في السيطرة على مدينة المنيا وأصبحت الملاحة في نهر النيل تحت سيطرتهم.
- طلب خسرو باشا من الحامية الألبانية بالجيش العثماني بمصر التي تضم الجنود الألبان (وهي المنطقة التي كان يطلق عليها الأتراك ألبانيا وهي منطقة البلقان حاليا باوروبا والتي تضم اليونان والصرب وكرواتيا والبانيا الحالية ومقدونيا والبوسنة والجبل الأسود)، وكلف قائدهم طاهر باشا بالذهاب للصعيد ومحاربة المماليك، ولكن نائب طاهر باشا وهو محمد علي ابراهيم اغا (محمد علي باشا فيما بعد) أوعز له بأن هدف خسرو باشا هو التخلص منهم ونصحة بان يطلب من خسرو باشا دفع المرتبات والمستحقات المتأخرة للجنود الألبان قبل الذهاب للصعيد، ولكن خسرو باشا رفض دفع المستحقات قبل الذهاب للصعيد والقضاء على المماليك، وتمرد الجنود الألبان على خسرو باشا الذي هرب منهم إلى دمياط ولكنهم قبضوا عليه وعزلوه من منصبه عام 1803 وسجنوه في سجن القلعة وأعلنوا توليه طاهر باشا خلفا له، وأصبح محمد علي مكان طاهر باشا في قيادة الحامية الألبانية.
- تولى طاهر باشا ولاية مصر عام 1803 ولكن باقي فرق الجيش العثماني وخاصة الانكشارية (القوات الخاصة) رفضوا هذا التعيين واتهموا طاهر باشا بمحاباة الجند الألبان وطلبوا دفع مرتباتهم المتاخرة وعجز طاهر باشا عن تدبيرها فقتلوه بعد حوالي 20 يوما من توليه. فقرر السلطان تعيين أحمد باشا والي المدينة المنورة واليا على مصر، ولكن محمد علي قرر التحالف مع المماليك لمنع تولي أحمد باشا ولاية مصر وبالفعل تمكن المماليك من عزله بعد يوم واحد من توليه الحكم، فأرسل السلطان علي باشا الجزايرلي ليكون واليا على مصر في يناير 1804 ولكن قتله المماليك قبل وصوله للقلعة، وقرر المماليك ان ينفردوا بحكم مصر وتولي عثمان بك البرديسي الحكم منفردا.
- فرض عثمان بك ضرائب باهظة على المصريين رغم الاحوال الاقتصادية المتردية ونقص المحاصيل نتيجة نقص فيضان النيل، فثار المصريين ضد البرديسي والمماليك في مارس 1804، فأعلن محمد علي وقوفه مع الشعب المصري ضد المماليك وحارب المماليك بقواته إلى أن تمكن من أخراجهم من القاهرة تماما هم وقائدهم البرديسي.
- فاز محمد علي بحب المصريين واحترامهم بعد وقوفه إلى جانبهم وتوطدت علاقاته بزعماء الشعب كالسيد عمر مكرم والشيخ السادات، وأكد لهم أنه غير طامع في الحكم وانه لا يريد إلا مساعدتهم ضد الظلم الذي يتعرضون له وأقترح عليهم إخراج خسرو باشا من السجن وتوليته الحكم إلا أن زعماء الشعب رفضوا خسرو، فأقترح عليهم تولية أحمد خورشيد باشا حاكم الاسكندرية وبالفعل وافق الزعماء على هذا الاقتراح كما وافق السلطان على ذلك واكتسب محمد علي أحترام الجميع من زعماء الشعب والشعب والسلطان ايضا.
- عين خورشيد باشا واليا على مصر في 1804.

الحلقة الثانية في سلسلة "مصر، القرن العظيم"...





الحلقة الثانية: وصول محمد علي باشا لحكم مصر

-توقفنا في الحلقة السابقة عند تعيين أحمد خورشيد باشا حاكم الاسكندرية واليا على مصر في 1804.
- مع تولي خورشيد باشا أراد أن تستتب له الأمور في مصر وبنفرد بحكمها حتى يظهر للسلطان قدراته، فأيقن انه لن تستقر الأمور إلا بالخلاص من محمد علي قائد الفرقة الألبانية خاصة انه هو من ولاه ولاية مصر كما انه محبوب بشدة من الشعب المصري ومن زعماء الشعب.
- طلب خورشيد باشا من السلطان العثماني ان يسحب الفرقة الالبانية من مصر، وبالفعل اصدر السلطان اوامره لكن زعماء الشعب عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ السادات رفضوا سحب الفرقة الألبانية وأرسلوا للسلطان يخطروه بأنهم طلبوا من محمد علي أن يرفض ترك مصر، ثم طلب خورشيد باشا من محمد علي ان يذهب للصعيد لمحاربة المماليك، كما طلب من السلطان أن يرسل له أشرس فرقة في الجيش العثماني وهي فرقة تسمى الدلاة أو الدلاتية لتدعيم موقفه في مصر، فأرسلها له السلطان.
- وصلت فرقة الدلاة لمصر وقامت باعمال سلب ونهب للأهالي بشكل غير مسبوق لم يفعله معهم حتى المماليك، لدرجة انهم اخرجوهم عنوة من مساكنهم ولم يسمحوا لهم حتى باخذ ثيابهم او متعلقاتهم بل ان بعضهم رفضوا حتى ان ياخذوا معهم نسائهم وقام الدلاة بسبيهم. فذهب الأهالي والشيوخ لخورشيد باشا يشتكون له ظلم فرقة الدلاة فلم يفعل شيئا وقال لهم ان هولاء الجنود عصاة ولم يمتثلوا لأوامره، وزادت المشاكل وزادت أعمال السلب والنهب، فثار الشعب ثورة عارمة على خورشيد باشا وحاصروه في مقره بالقلعة.
- وفي هذه الأثناء، وبإيعاز من خورشيد باشا، في اول مايو 1805 وصل فرمان من السلطان العثماني بتعيين محمد علي باشا واليا على مدينة جده بالحجاز، واظهر محمد علي إمتثاله للفرمان السلطاني، وابدى استعداده للسفر إلى جده، إلا أنه حرض جنوده بالتمرد لانهم لم يستلموا رواتبهم المتأخرة فذهب جنود الفرقة الألبانية إلى القلعة ليطالبوا برواتبهم المتاخرة وانضموا للأهالي في حصارهم للقلعة. وذهب محمد علي إلى بيته بالأزبكية واعلن انه لن يترك مصر في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها.
- أعتصم زعماء الشعب في دار الحكمة (مقر القضاء) وقالوا أن شرع الله بيننا وبين الباشا الظالم، واصروا على ان يقوم القاضي بتوجيه الاتهام لخورشيد باشا للتسيب الأمني ومسئوليته عن السلب والنهب الذي يفعله جنوده بالإضافه إلى اتهامهم له بسرقة مال الميري المعجل (الاستيلاء على المال العام). وأظهر خورشيد باشا الإمتثال وطلب منهم الحضور للقلعة للتشاور معهم، إلا انهم علموا انها مكيدة وان خورشيد باشا قد امر جنود الدلاة بقتلهم وهم في الطريق من دار الحكمة إلى القلعة، فرفضوا الذهاب إلى القلعة ، وتوجهوا جميعهم بمظاهرات حاشدة بزعامة عمر مكرم نقيب الأشراف والشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر إلى منزل محمد علي باشا بالأزبكية، وقابلوه وقالوا له " لانريد خورشيد باشا واليا علينا ولابد من عزله ولن نرضى إلا بك واليا علينا بشروطنا" فرفض محمد علي الولاية في اول الأمر ثم رضخ وقبل امام ضغط الشعب. وكان ذلك في 13 مايو 1805، والبسه الشيخ الشرقاوي والسيد عمر مكرم قفطان الولاية.
- وارسل الزعماء من يخطر خورشيد باشا بعزله وتوليه محمد علي باشا، فرفض خورشيد وقال لهم " لقد ولاني السلطان فلا أعزل بامر من الفلاحين ولن انزل عن القلعة إلا بأمر من السلطان"، فشدد الاهالي والجنود الألبان حصارهم للقلعة ، وأرسل زعماء الشعب للسلطان يقولون له بانهم لن يرضوا بواليا سوى محمد علي باشا.
- وبالفعل أستجاب السلطان العثماني سليم الثالث على مضض لرغبة المصريين وأصدر فرمانا سلطانيا في 9 يوليو 1805 بتولي محمد علي باشا ولاية مصر، وصعد إلى القلعة.
- وبذلك يكون الشعب المصري للمرة الاولى في التاريخ قد اختار من يحكمه بل وأجبر السلطان على عزل واليه والإذعان لمطالبه. ونظن أن الشعب المصري قد أحسن الأختيار.
- ولكن من هو محمد علي باشا : اسمه " محمد علي إبراهيم أغا" ولد في مدينة قوله بمقاطعة مقدونيا باليونان عام 1769، من عائلة تركية عثمانية، والده هو إبراهيم أغا قائد حرس مدينة قوله وكان تاجر تبغ أيضا، وانجب والده 17 ولدا غيره ولكن ماتوا كلهم ولم يعش له سوى محمد علي ، توفي والده وهو عمره 4 سنوات ثم ماتت امه أيضا وتيتم ، فأخذه عمه طوسون ليربيه ولكنه سرعان ما مات أيضا، فكفله حاكم قوله وهو "الشوربجي باشا إسماعيل" الذي كان صديقا لوالده. وعندما شب محمد علي ألحقه الشوربجي باشا بسلك الجندية فاظهر نبوغا كبيرا، ثم عندما قرر السلطان العثماني إرسال جيوش لمصر لمحاربة الفرنسيين تم اختيار محمد علي ضمن قادة الفرقة الألبانية الذاهبة إلى مصر ضمن الجيش العثماني، وكانت الفرقة بقيادة علي اغا إبن الشوربجي باشا الذي كفل محمد علي، وفور وصول الفرقة لأبي قير في 1801، هزمت من الفرنسيين وقرر علي أغا ترك الفرقة والعودة فورا لقوله، فأصبح طاهر باشا قائدا للفرقة الألبانية ومحمد علي نائبا له.وكان لدى محمد علي حلم كبير وهو ان يخلد التاريخ ذكراه وكان مثله الاعلى هو الأسكندر الاكبر، وعندما اتى إلى مصر تيقن أن تحقيق حلمه لن يكون إلا من بلد عظيم مثل مصر. وتولى حكم مصر من 1805 حتى 1848 واستطاع خلالها نقل مصر نقله كبيرة من دولة جاهلة فقيرة بلا مدارس ولا تعليم سوى الأزهر والكتاتيب إلى دولة مزدهرة عظمى تحسب لها الدول الكبرى كانجلترا وفرنسا وروسيا والنمسا والدولة العثمانية الف حساب واسس جيش قوى واسطول قوي وطور الزراعة تطويرا كبيرا وادخل الصناعة، وتفوق حتى على الدولة العثمانية نفسها ، وعلى روسيا، فكان بالفعل افضل من تولى حكم مصر على الاطلاق في تاريخها بعد العصر الفرعوني. وسنرى في الحلقات القادمة تفصيلا كيف استطاع تحقيق ذلك.

الاثنين، 21 يناير 2013

تاريخ مصر قبل الاسرات


 هي تلك الفترة في تاريخ قدماء المصريين التي سبقت عصر نشأة الأسرات في مصر، هي الفترة الأولي من الحضارة المصرية. فلقد بدأ المصريون بناء نواة المدنية قبل أربعين قرناً تقريباً، فكانت مدن طيبة ، منف، بوتو ، نخن (هيراكونپوليس)، أليفاتانين، بوباستيس، تانيس، أبيدوس، سايس ، أكسويس ، وهليوبوليس ، فكانت فترة ماقبل الأسرات هي البداية. استمر الأمر هكذا حتي القرن الحادي والثلاثين قبل الميلاد الذي جاء بالملك نارمر موحد القطرين الشمالي والجنوبي، ومع انتهاء فترة ما قبل الأسرات بدأت فترة الأسرات المبكرة، أو مايطلق عليه عصر نشأة الأسرات.