حكام مصر


فضائح الملكة الأم



في 28 إبريل 1936م  لفظ الملك فؤاد أنفاسه الأخيرة مما عجل بعودة ابنه فاروق من أكاديمية وولوتش بإنجلترا حيث كان يدرس هناك.. عاد إلي أحضان أمه المحبة وشقيقاته.. كانت الملكة نازلي مازالت امرأة شابة، تمسك بدفة الأمور بقوة.. وكانت حياتها الزوجية في حياة الملك فؤاد مقيدة بشدة، وهي السيدة القوية الجميلة، إذ كانت تعيش في سجن فعلي وراء أسوار القصور الملكية الثلاثة الكبري: عابدين، والقبة، والمنتزه.. كان قصر عابدين هو المقر الرسمي الرئيسي، وهو بناء كبير يذكرنا بقصر بكنجهام، أو بواحد من أبدع قصور الرئاسة في أمريكا الجنوبية، وقد أقيم علي النمط المعروف باسم الباروك في القرن التاسع عشر، وكان العبقري الذي أشرف علي إقامة واجهاته البديعة، والقاعات ذات الأعمدة الرخامية، هو كارلوتشي بك، المهندس الإيطالي العجوز، والذي كان موضع ثقة الملك فؤاد، حيث كان يعمل كوسيط خاص له بصورة ما.. أما قصر القبة فكان شيئا آخر، إذ كان القصر الذي أقيم وسط حدائق فسيحة في ضاحية حدائق القبة بالقاهرة مكانا بديعا لإقامة حريم الملك فؤاد.. وفيه قضت الملكة نازلي أفضل جزء في حياتها.. وكانت الملكة هاوية متحمسة للتصوير الفوتوغرافي، تقوم بتحميض صورها وطبعها بنفسها، كما كانت رسامة جيدة أيضا تخصصت في رسم لوحات جميلة من الزهور.. ولما كانت نازلي في صباها فتاة رومانسية قوية الإرادة، فقد أحس الملك فؤاد بوضوح أنه ينبغي التأكد من عزلها عن بقية العالم، حتي أن أخواتها وأعضاء أسرتها كانوا مستبعدين عن القصر.. ولم يكن حولها سوي الوصيفات المختلفات اللواتي كن يجندن من بعض الأسر البارزة من طبقة الباشوات.
كانت حياة الملكة نازلي تمضي في هدوء مريح، وكانت تشهد الأوبرا في موسم الشتاء، عند بدء العروض الأولي الكبري، التي يحضرها أعضاء السلك الدبلوماسي وأعضاء الحكومة. وكانت دار الأوبرا صغيرة تم بناؤها علي عجل، ولكنها كانت صورة دقيقة لمسرح من طراز الباروك من النمط الذي يفضله أشخاص مثل ملك بافاريا أو أميرها نوفر.
قصر المنتزه
وليست هناك قصور كثيرة في أي مكان تجمع الأشياء الجذابة التي كانت في القصر الملكي الثالث، وهو قصر المنتزه بالإسكندرية، الذي أقيم فوق سلسلة من التلال الصخرية المنخفضة، تكون خليجا صغيرا تظلله أشجار الصنوبر في حديقة رائعة.. كان المنتزه قصرا للأحلام من النوع الذي يمكن أن يخطر ببال الملك فودڤيج الباڤاري، أو والت ديزني. وكان علي نمط إيطالي واضح مع روح قوية من البحر المتوسط.. كان خليطا محيرا من الأشكال والزخارف المعمارية، حيث الأقواس والشرفات والأبراج التي يصطدم كل منها بالآخر بحماسة شديدة، وتشكل أحيانا تصادما متناقضا من أنماط متباعدة إلي حد كبير.. كان القصر بالنسبة للبعض مبني معماريا بشعا، غير أنه بالنسبة لمن أتيحت لهم متعة الحياة هناك، كان بيتا بهيجا، ومكانا تغمره أشعة الشمس ومياه البحر الزرقاء مع شرفات كشرفات الملاحم، تطل علي حدائق تحوي الكثير من الزهور المختلفة الألوان والأشجار القديمة، والمروج والممرات التي تؤدي إلي الخلجان المحمية، والبحر وأصواته الموجودة دائما.. كان هذا هو قصر المتعة والسرور الذي يقضي فيه فاروق وشقيقاته فصول الصيف التي كانت تستمر في تلك الأيام حوالي خمسة شهور، تصبحالإسكندرية خلالها عاصمة لمصر، حيث يعيش الملك والبلاط والحكومة ويعملون في المدينة.
الحياة خارج مصر
ترك مقتل أحمد حسنين باشا عام 1946م آثارا سلبية شديدة علي الملكة نازلي، فقد جمعتهما قصة غرامية ساخنة استمرت تسع سنوات وتزوجا عرفيا.. وباختفاء أحمد حسنين قررت الملكة نازلي عام 1946 الرحيل عن مصر، فجمعت ما تسني لها من الأموال في سرية تامة، وأذن لها الملك فاروق بالسفر إلي فرنسا بحجة العلاج من مرض الكلي، وبالفعل سافرت إلي سويسرا ومنها إلي فرنسا، واستقرت فيها للعلاج عدة أسابيع ولكن حالتها لم تتحسن. فسافرت إلي الولايات المتحدة للعلاج أيضا، واصطحبت معها ابنتيها فايقة وفتحية وكل من كانوا معها في فرنسا بمن فيهم موظف علاقات عامة صغير اسمه رياض غالي.. قامت ضجة كبيرة في مصر بعد زواج الأميرة فتحية من رياض غالي، وسمت نفسها باسم »ماري إليثابس« واعتنقت المسيحية. وما لبث الملك فاروق أن أصدر قرارا بحرمانها من لقب »الملكة الأم« في جلسة مجلس البلاط في أغسطس 1950 م، وتم الحجر عليها للغفلة وإلغاء وصايتها علي ابنتها الأميرة فتحية.
لكن ما هي قصة الملكة نازلي مع المطربة أسمهان قبل أن تترك؟
كما قلنا من قبل أن أحمد حسنين باشا كان له فتنة وتأثير شديد علي النساء.. وعندما تعرف علي المطربة أسمهان وأعجب بها، فإن هذا دفع بالملكة نازلي إلي الاستشاطة غضبا وهي تسمع أخبار لقاءات حسنين مع أسمهان في فندق ميناهاوس بجوار أهرامات الجيزة.
ولم تصبر الملكة نازلي طويلا علي تلك العلاقة، فقررت وبدافع الغيرة الانتقام فقررت أن تطرد أسمهان من مصر وبالفعل اتصلت بحسين سري باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية والذي تولي عملية تنفيذ القرار، مبلغا أسمهان بأن إقامتها في مصر انتهت وأن عليها أن تغادر خلال أسبوع، ليصيبها هذا القرار الخطير بالجزع والحزن الشديدين ولم تجد من يقف بجانبها سوي الصحفي الكبير صديقها محمد التابعي الذي تمكن بصداقته لكبار المسئولين أن يوقف تنفيذ القرار، وتجددت إقامتها مرة أخري في مصر.. بعد ذلك بوقت قليل تزوجت الملكة نازلي من أحمد حسنين عرفيا بموافقة الملك فاروق.. وظلت الملكة نازلي زوجة أحمد حسنين عرفيا حتي تاريخ وفاته في 19 فبراير 1946 م، إثر اصطدام لوري تابع للقوات البريطانية كان يقوده سائق مخمور بسيارته علي كوبري قصر النيل.
فضائح الملكة
ونعود إلي الملكة نازلي ومغامراتها وفضائحها.. فقد تسببت الملكة في العديد من المواقف التي كانت تسبب ألما نفسيا عميقا للملك فاروق، ففي سنة 2491 اشتد الخلاف بينها وبين الملك فاروق بسبب علاقتها بأحمد حسنين، فسافرت إلي القدس ونزلت في فندق الملك داوود، وهناك انتشرت القصص عن فضائحها مع رجال مختلفين من العرب والأجانب.. ويقول صلاح الشاهد الذي كان قريبا من القصر ومطبخ السياسة إن فاروق استدعي النحاس باشا وقال له: »إن والدتي تحبك وتحب زينب هانم« »زوجة النحاس باشا« وأرجو أن تسافر لإحضارها.. وسافر النحاس وقرينته إلي القدس وأقاما في الفندق أسبوعا يحاول إقناع نازلي بالعودة، فاشترطت أن تستقبل في محطة مصر استقبالا رسميا، وأن يكون الملك نفسه في استقبالها علي رصيف المحطة، ووعدها النحاس بذلك، وعاد النحاس وقرينته إلي القاهرة وأبلغ الملك فأصر علي ألا يذهب إلي المحطة والاكتفاء باستقبال الرسميين وتشريفة الحرس الملكي لها، لكنه عاد ووافق علي مطالبها وذهب لاستقبالها علي رصيف المحطة.
الفصل الأخير
وبدأت الصحف الأجنبية تنشر جانبا من الفضائح عن نزوات الملكة الأم، والتي كانت تصل إلي السياسيين والصحفيين في القاهرة، وكانت من المعاول التي أدت إلي تصدع النظام فيما بعد..
أما الفصل الأخير من نزوات الملكة نازلي.. فقد بدأ بعد وفاة أحمد باشا حسنين.. وقد سافرت نازلي إلي أوربا، وقد عزمت علي ألا تعود إلي مصر لكي تعيش علي حريتها، وعند وصولها إلي مارسيليا قابلت شخصا انتهازيا يدعي رياض غالي كان أمينا للمحفوظات بقنصلية مصر في مارسيليا، وكانت القنصلية المصرية قد كلفته ليكون في خدمة الملكة، ولكي يشرف علي نقل حقائبها، إلا أنه وفي فترة وجيزة تحول من مجرد مرافق للملكة والأميرات ليقوم علي تلبية طلباتهم تحول إلي عشيق جديد يضاف إلي قائمة الملكة نازلي فقد ظل يلازمها ليل نهار، لدرجة أنه عندما سافرت إلي سويسرا وفرنسا وإنجلترا ثم استقرت في أمريكا كانت تصحبه معها..
ووصلت إلي مصر أنباء الفضيحة الجديدة فطلبت وزارة الخارجية من رياض غالي العودة إلي عمله في مارسيليا، فرفض الإذعان لطلب الوزارة، فقررت الوزارة إحالته إلي المعاش، فاستبقته نازلي في خدمتها، وادعت أنه »السكرتير الخاص« وعوضته أضعاف مرتبه.
وبعد ذلك دوت في العالم أنباء أكبر فضيحة تناقلتها الصحافة الأمريكية والأوربية: أن رياض غالي المغامر المسيحي أصبح العاشق للملكة الأم ولابنتها »الأميرة فتحية« في نفس الوقت.. كانت هذه العلاقة الشاذة هي الختام المأساوي لقصة ملكة لم تحترم العرش الذي جلست عليه، ولم تراع كرامة البلد الذي تنتمي إليه، بل لم تحترم شيخوختها حتي حين وصلت إلي سن الثمانين، بل لم تراع حالتها الصحية، وهي تعاني في سنوات الإقامة في أمريكا من مرض الكلي، وانتهت إلي إجراء جراحة لاستئصال إحدي الكليتين.
كان رياض غالي الشاب الوسيم مسيحيا في الثلاثين من عمره حكي بنفسه بداية علاقته بالملكة نازلي في حديث مع الزميل الصحفي جميل عارف نشر في مجلة المصور عام 1791 فقال: »طيلة إقامة الملكة وابنتيها الأميرة فتحية والأميرة فائقة في مارسيليا لم أحظ بمقابلتهن.. وفي صبيحة يوم سفر الملكة استدعاني القنصل وكلفني بحمل البريد الذي ورد باسم الملكة إلي جناحها بالفندق.. دعتني الملكة للجلوس وسألتني عن اسمي وأسرتي وعملي وثقافتي.. وعندما وصلت إلي دار القنصلية علمت أن الملكة اتصلت بالقنصل ليتخذ الإجراءات لانتدابي لمرافقتها إلي الولايات المتحدة ..   وفي منتصف مايو 1947هاجرت الملكة نازلي إلي أمريكا، واستقال رياض غالي من عمله في وزارة الخارجية ليتفرغ للملكة وابنتها فتحية وأقام في فيلا اشترتها نازلي في بيفرلي هيلز في هوليوود أرقي أحياء أمريكا.. ويقول غالي: »ذات يوم جمعتني الظروف بالأميرة فتحية وكنا بمفردنا وحدث ما كنت أخشاه، فقد صارحتني بحبها لي، فقلت: مستحيل أنت أميرة وأنا لا شيء.. واستدعتني الملكة نازلي ذات يوم وإذا بها تفاجئني بقولها: اسمع يارياض أنا أعرف ما يدور وراء ظهري بينك وبين فتحية، فقلت: لقد فكرت في هذا الموضوع وقررت إشهار إسلامي.. فقالت: علي بركة الله، واستدعت ابنتها فتحية واستقبلتها بقبلة وهنأتها، وأمام تعنت الملك فاروق فيما أقدمنا عليه قررنا أن نضعه أمام الأمر الواقع بعدما سمعنا بثورته وتهديده لنا جميعا فحددنا موعدا للزواج، ولكن فاروق ازداد هياجا وثورة، بل هددني بأنه سوف يقتلني بنفسه إن رآني.. وفي أوائل مايو 1950م عقد الزواج المدني في سان فرانسسكو بين رياض غالي والأميرة فتحية.
وفي يوم 9ديسمبر 1976 م أطلق رياض غالي الرصاص علي الأميرة فتحية وقتلها بعد إدمانه الخمر والمخدرات، وحاول الانتحار بإطلاق الرصاص علي رأسه، ولكنه لم يمت وحكم عليه بالسجن 51عاما.. ومات رياض غالي، وماتت الملكة نازلي عام 1978م وعمرها 83 سنة ودفن الثلاثة في إحدي كنائس لوس أنجلوس، فقد ماتوا علي المذهب المسيحي الكاثوليكي.. وقبلها كان مجلس البلاط الملكي في مصر قد اجتمع ورفض زواج فتحية من رياض وتجريدها هي وأمها الملكة نازلي من امتيازاتهما الملكية، فلم تعد الملكة ملكة ولم تعد الأميرة أميرة، ومصادرة أملاكهما وأموالهما في مصر.. 

هناك تعليق واحد:

  1. هي ابنة عبد الرحيم باشا صبري الذي كان مديرًا لمديرية المنوفية، ثم عين بعد زواجها من الملك فؤاد وزيرًا للزراعة، وأمها توفيقة هانم ابنة رئيس وزراء مصر وأبو الدستور المصري محمد شريف باشا، وجدها لأمها سليمان باشا الفرنساوي الذي جاء لمصر مع الحملة الفرنسية ولكنه رفض الرحيل ومكث بها واشهر إسلامه.

    ردحذف